فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {كذلك يُحْيِ الله الموتى}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)}.
قصة القتيل هي أن رجلا ثريا من بني إسرائيل لم يكن له ولد يرثه.. وكان له أقارب كل منهم يريد أن يستأثر بأموال هذا الرجل.. والمال والذهب هما حياة بني إسرائيل.. فتآمر على هذا الرجل الثري ابن أخيه فقتله ليرثه ويستولي على أمواله.. ولكنه أراد أن يبعد التهمة عن نفسه فحمل الجثة وألقاها على باب قرية مجاورة ليتهم أهلها بقتل الثري.. وفي الصباح قام أهل القرية ووجدوا جثة الثري أمام قريتهم.. ووجدوه غريبا عن القرية فسألوا من هو؟ حتى وصلوا إلى ابن أخيه.. فتجمع أهل القتيل واتهموهم بقتله.. وكان أشدهم تحمسا في الاتهام القاتل ابن أخيه.
وقوله تعالى: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} الدرأ هو الشيء حين يجئ إليك وكل واحد ينفيه عن نفسه.. إدارأتم أي أن كلا منكم يريد أن يدفع الجريمة عن نفسه فكل واحد يقول لست أنا.
وليس من الضروري أن يتهم أحد آخر غيره.. المهم أن يدفعها عن نفسه.
ولقد حاول أهل القريتين.. قرية القتيل، والقرية التي وجدت أمامها الجثة. أن يدفع كل منهما شبهة الجريمة عن نفسه وربما يتهم بها الآخر.. ولم يكن هناك دليل دامغ يرجح اتهاما محددا. بل كانت الأدلة ضائعة ولذلك استحال توجيه اتهام لشخص دون آخر أو لقرية دون أخرى.
وكان التشريع في ذلك الوقت ينص على أنه إذا وجد قتيل على باب قرية ولم يستدل على قاتله.. فإن قرية القتيل وأهله يأخذون خمسين رجلا من أعيان القرية التي وجدت بجوارها الجثة.. فيلقوا اليمين بأنهم ما قتلوه.. ولا علموا قاتله.. وإذا كان الأعيان والأكابر أقل من خمسين رجلا.. تكررت الأيْمان حتى تصير خمسين يمينا.. فيحلفون أنهم ما قتلوه ولا يعرفون قاتله.. عندما يتحمل بيت المال دية القتيل.
ولكن الله كان يريد شيئا آخر.. يريد أن يرد بهذه الجريمة على جحود بني إسرائيل باليوم الآخر.. ويجعل الميت يقف أمامهم وينطق اسم قاتله.. ويجعلهم يرون البعث وهم أحياء.. ولذلك قال سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}.. أي أن بني إسرائيل أو أولئك الذين ارتكبوا الجريمة دبروها على أن تبقى في طي الكتمان فلا يعلم أحد عنها شيئا.. ولذلك جاء الشاب وقتل عمه دون أن يراه أحد.. ثم حمل الجثة خفية في ظلام الليل وخرج بها فلم يلتفت أحد إليه.. ثم ذهب إلى قرية مجاورة وألقى بالجثة على باب القرية وأهلها نائمون وانصرف عائدا.
كانت كل هذه الخطوات في رأيه ستجعل الجريمة غامضة لا تنكشف أبدا ولا يعرف سرها أحد. ولكن الله تبارك وتعالى أراد غير ذلك.. أراد أن يكشف الجريمة بطريقة لا تحتمل الجدل، وفي نفس الوقت يرد على جحود بني إسرائيل للبعث.. بأن يريهم البعث وهم أحياء. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} فعل وفاعل، والفاء للسببية؛ لأن التَّدَارُؤَ كان مسببًا عن القتل، ونَسَبض القتل إلى الجميع، وإن لم يصدر إلا من واحد أو اثنين كما قيل؛ لأنه وُجِد فيهم وهو مجاز شائع.
وأصل {ادّارأتم}: تدارأتم تَفَاعلتم من الدَّرْء هو الدّفع، فاجتمعت التاء مع الدال وهي مُقارِبتها، فأريد الإدغام فقلبت التاء دالًا، وسكنت لأجل الإدغام، ولا يمكن الابتداء بساكن، فاجتلبت همزة الوصل ليبتدأ بها فبقي {ادارأتم}، والأصل ادْدَارأتم فأدغم، وهذا مطرد في كل فعل على تفاعل أو تفعّل فاؤه دال نحو: تَدَايَنَ وادَّايَنَ، وتَدَيَّنَ وأدِّيَنَ أو طاء، أو ظاء، أو صادًا، أو ضادًا نحو: تطاير واطَّايَر وتطير واطّير وتظاهر واظَّاهر، وتطهر واطَّهَّر، والمصدر على التفاعل أو التفعّل نحو: تَدَارُؤ وتَطَهُّر نظرًا إلى الأصل.
وهذا أصل نافع في جميع الأبواب.
معنى: {ادرأتم}: اختلفتم واختصمتم في شأنها.
وقيل: تدافعتم أي كل واحد ينفي القتل عن نفسه ويضيفه إلى غيره.
والكناية في قوله: {فيها} للنفس.
وقال القفال: ويحتمل إلى القتلة؛ لأن قوله: {قتلتم} يدل على المصدر.
قوله: {والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} الله رفع بالابتداء و{مخرج} خبره، و{ما} موصولة منصوبة المحل باسم الفاعل.
فإن قيل: اسم الفاعل لا يعمل بمعنى الماضي إلا محلّى بالألف واللام، فالجواب: أن هذه حكاية حال ماضية، واسم الفاعل فيها غير ماض وهذا كقوله تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} [الكهف: 18].
والكسائي يُعْمِله مطلقًا، ويستدل بهذا ونحوه.
و{ما} يجوز أن تكون موصولة اسمية، فلابد من عائد، تقديره: مخرج الذي كنتم تكتمونه، ويجوز أن تكون مصدرية، والمصدر واقع موضع المفعول به، أي: مخرج مكتومكم وهذه الجملة لا محلّ لها من الاعراب؛ لأنها معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه وهما: {فَادَّارَأْتُمْ} وقوله: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ} قاله الزمخشري. اهـ.

.تفسير الآية رقم (73):

قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{فقلنا} أي بما لنا من العظمة {اضربوه} وأضمر ذكر البقرة ولم يظهر دلالة على اتحاد هذا الشق الأول من القصة الذي جعل ثانيًا بالشق الذي قبله في أنهما قصة واحدة فقال: {ببعضها} قال الإمام أبو علي الفارسي في كتاب الحجة: قلنا اضربوا المقتول ببعض البقرة فضربوه به فحيي، يعني والدليل على هذا المحذوف قوله: {كذلك} أي مثل هذا الإحياء العظيم على هذه الهيئة الغريبة {يحيي الله} أي الذي له صفات الكمال {الموتى} مثل هذا الإحياء الذي عوين وشوهد. انتهى.
روي أنهم لما ضربوه قام وقال: قتلني فلان وفلان لابني عمه ثم سقط ميتًا فأخدا وقتلا ولم يورّث قاتل بعد ذلك؛ وهذه الخارقة كما أَخْبَرَ نَبِيَّنا صلى الله عليه وسلم ذراعُ الشاة المسمومة بأنه مسموم لما سمته اليهودية التي كانت في قومها هذه الآية، وجعل هذا التنبيه على البعث في قصصهم، لأنه من أعظم الأدلة عليه، وقد وقع منهم ما ساغ معه عدهم منكرين وهو قولهم للمشركين: دينكم خير من دين محمد، أو أن هذا تنبيه مقصود به حث العرب على سؤال من استنصحوهم في السؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم لكونهم أهل العلم الأول، فهو ملزِم لهم باعتقاد البعث أو اعتقاد كذب اليهود، وعبر بالاسم العلم لأن الإحياء من أخص الآيات بصفة الإلهية كما أن الإرزاق أخص الآيات بالربوبية {ويريكم آياته} فيما يشهد بصحته {لعلكم تعقلون} أي لتكونوا برؤية تلك الآيات الشاهدة له على رجاء من أن يحصل لكم عقل فيرشدكم إلى اعتقاد البعث وغيره مما تخبر به الرسل عن الله تعالى. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا}:

.قال الفخر:

المروي عن ابن عباس أن صاحب بقرة بني إسرائيل طلبها أربعين سنة حتى وجدها، ثم ذبحت إلا أن هذه الرواية على خلاف ظاهر القرآن لأن الفاء في قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا} للتعقيب، وذلك يدل على أن قوله: {اضربوه بِبَعْضِهَا} حصل عقيب قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}. اهـ.

.فائدة: الهاء في قوله تعالى: {اضربوه}:

قال الفخر:
الهاء في قوله تعالى: {اضربوه} ضمير وهو إما أن يرجع إلى النفس وحينئذ يكون التذكير على تأويل الشخص والإنسان وإما إلى القتيل وهو الذي دل عليه قوله: {مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}. اهـ.

.فائدة: في الأمر بذبح البقرة:

قال الفخر:
يجوز أن يكون الله تعالى إنما أمر بذبح البقرة، لأنه تعلق بذبحها مصلحة لا تحصل إلا بذبحها ويجوز أن يكون الحال فيها وفي غيرها على السوية والأقرب هو الأول، لأنه لو قام غيرها مقامها لما وجبت على التعيين، بل على التخير بينها وبين غيرها. اهـ.
سؤالان:
السؤال الأول: ما الفائدة في ضرب المقتول ببعض البقرة مع أن الله تعالى قادر على أن يحييه ابتداء؟
الجواب: الفائدة فيه لتكون الحجة أوكد وعن الحيلة أبعد فقد كان يجوز لملحد أن يوهم أن موسى عليه السلام إنما أحياه بضرب من السحر والحيلة، فإنه إذا حيي عندما يضرب بقطعة من البقرة المذبوحة انتفت الشبهة في أنه لم يحي بشيء انتقل إليه من الجسم الذي ضرب به، إذا كان ذلك إنما حيي بفعل فعلوه هم، فدل ذلك على أن إعلام الأنبياء إنما يكون من عند الله لا بتمويه من العباد وأيضًا فتقديم القربان مما يعظم أمر القربان.
السؤال الثاني: هلا أمر بذبح غير البقرة؟
وأجابوا بأن الكلام في غيرها لو أمروا به كالكلام فيه، ثم ذكروا فيها فوائد، منها التقرب بالقربان الذي كانت العادة به جارية ولأن هذا القربان كان عندهم من أعظم القرابين ولما فيه من مزيد الثواب لتحمل الكلفة في تحصيل هذه البقرة على غلاء ثمنها، ولما فيه من حصول المال العظيم لمالك البقرة. اهـ.

.فصل: البعض الذي ضرب به قتيل بني إسرائيل:

قال الفخر:
اختلفوا في أن ذلك البعض الذي ضربوا القتيل به ما هو؟ والأقرب أنهم كانوا مخيرين في أبعاض البقرة لأنهم أمروا بضرب القتيل ببعض البقرة وأي بعض من أبعاض البقرة ضربوا القتيل به، فإنهم كانوا ممتثلين لمقتضى قوله: {اضربوه بِبَعْضِهَا} والإتيان بالمأمور به يدل على الخروج عن العهدة على ما ثبت في أصول الفقه، وذلك يقتضي التخيير.
واختلفوا في البعض الذي ضرب به القتيل فقيل: لسانها وقيل: فخذها اليمنى وقيل: ذنبها وقيل: العظم الذي يلى الغضروف وهو أصل الآذان، وقيل: البضعة بين الكتفين، ولا شك أن القرآن لا يدل عليه فإن ورد خبر صحيح قبل وإلا وجب السكوت عنه. اهـ.

.فائدة: تقدير الكلام في قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا}:

قال الفخر:
في الكلام محذوف والتقدير، فقلنا اضربوه ببعضها فضربوه ببعضها فحيي إلا أنه حذف ذلك لدلالة قوله تعالى: {كذلك يُحْيِ الله الموتى} وعليه هو كقوله تعالى: {اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفجرت} [البقرة: 60] أي فضرب فانفجرت، روي أنهم لما ضربوه قام بإذن الله وأوداجه تشخب دمًا، وقال قتلني فلان، وفلان لابني عمه ثم سقط ميتًا: وقتلًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا} عطف على قوله تعالى: {فادرأتم} [البقرة: 72] وما بينهما اعتراض يفيد أن كتمان القاتل لا ينفعه، وقيل: حال أي والحال أنكم تعلمون ذلك.
والهاء في {اضربوه} عائد على النفس بناء على تذكيرها إذ فيها التأنيث وهو الأشهر والتذكير، أو على تأويل الشخص أو القتيل، أو على أن الكلام على حذف مضاف أي ذا نفس، وبعد الحذف أقيم المضاف إليه مقامه، وقيل: الأظهر أن التذكير لتذكير المعنى، وإذا كان اللفظ مذكرًا والمعنى مؤنثًا أو بالعكس فوجهان، وذكر هذا الضمير مع سبق التأنيث تفننًا أو تمييزًا بين هذا الضمير والضمير الذي بعده توضيحًا، والظاهر أن المراد بالبعض أي بعض كان إذ لا فائدة في تعينه ولم يرد به نقل صحيح واختلف بم ضربوه فقيل: بلسانها أو بأصغريها أو بفخذها اليمنى أو بذنبها أو بالغضروف أو بالعظم الذي يليه أو بالبضعة التي بين الكتفين أو بالعجب أو بعظم من عظامها، ونقل أن الضرب كان على جيد القتيل، وذلك قبل دفنه، ومن قال: إنهم مكثوا في تطلبها أربعين سنة أو أنهم أمروا بطلبها ولم تكن في صلب ولا رحم قال: إن الضرب على القبر بعد الدفن، والأظهر أنه المباشر بالضرب لا القبر، وفي بعض الآثار أنه قام وأوداجه تشخب دمًا؛ فقال: قتلني ابن أخي، وفي رواية فلان وفلان لابني عمه ثم سقط ميتًا فأخذا وقتلا وما ورث قاتل بعد ذلك، وفي بعض القصص أن القاتل حلف بالله تعالى ما قتلته فكذب بالحق بعد معاينته قال الماوردي: وإنما كان الضرب بميت لا حياة فيه لئلا يلتبس على ذي شبهة أن الحياة إنما انقلبت إليه مما ضرب به فلازالة الشبهة وتأكد الحجة كان ذلك. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {كذلك يُحْيِ الله الموتى}:

.قال الفخر:

في هذه الآية وجهان:
أحدهما: أن يكون إشارة إلى نفس ذلك الميت.
والثاني: أنه احتجاج في صحة الإعادة، ثم هذا الاحتجاج أهو على المشركين أو على غيرهم؟ فيه وجهان.
الأول: قال الأصم: إنه على المشركين لأنه إن ظهر لهم بالتواتر أن هذا الإحياء قد كان على هذا الوجه علموا صحة الإعادة، وإن لم يظهر ذلك بالتواتر فإنه يكون داعية لهم إلى التفكر.
قال القاضي: وهذا هو الأقرب لأنه تقدم منه تعالى ذكر الأمر بالضرب وأنه سبب إحياء ذلك الميت، ثم قال: {كذلك يُحْيِ الله الموتى} فجمع {الموتى} ولو كان المراد ذلك القتيل لما جمع في القول فكأنه قال: دل بذلك على أن الإعادة كالابتداء في قدرته.
الثاني: قال القفال: ظاهر الكلام يدل على أن الله تعالى قال لبني إسرائيل: إحياء الله تعالى لسائر الموتى يكون مثل هذا الإحياء الذي شاهدتم، لأنهم وإن كانوا مؤمنين بذلك إلا أنهم لم يؤمنوا به إلا من طريق الاستدلال ولم يشاهدوا شيئًا منه، فإذا شاهدوه اطمأنت قلوبهم وانتفت عنهم الشبهة التي لا يخلو منها المستدل، وقد قال إبراهيم عليه السلام: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِ الموتى} إلى قوله: {لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى} [البقرة: 26] فأحيا الله تعالى لبني إسرائيل القتيل عيانًا، ثم قال لهم: {كذلك يُحْيِ الله الموتى} أي كالذي أحياه في الدنيا يحيي في الآخرة من غير احتياج في ذلك الإيجاد إلى مادة ومدة ومثال وآلة. اهـ.